الجمعة، 27 أغسطس 2010

قصّة (المطربة و سيِّدها الهاربان إلى الله)

بسم الله الرحمن الرحيم



أدب/قصّة







قصّة (المطربة و سيِّدها الهاربان إلى الله)

فِيْ لَيْلَةٍ الْبَدْرُ تَاجُها،وَوَصِيّفَاتُهَا قِطعٌ مِنَ الْغُيُومِ الْبَيْضَاءِ تَتَرَاقَصُ ترَاقِصَ الْعَذَارَىْ ،كَانَتْ الْنَّسَمَاتُ تَعْبَثُ بِأَزْهَار الْخُزَامَىْ ،وَتَحْمِلُ فِيْ ثَنَايَاهَا سِحْرَ الْطَّبِيْعَةِ الْفَيْنَانَةِ،جَفَانِيْ الْنَّوْمُ،وَاكْتَحَلَتْ عَيْنَايَ بِالْسَّهَرِ،وَادّرَعَ ذِهْنِي بِشَتَّى الْفِكَر، وَأَخَذْتُ أُفَكّرُ فِيْ عِظَام الْأُدَبَاءِ وَالشُّعَرَاء وَفِيْمَنْ فَتَحَ الْلَّهُ عَلَيْهِمْ،وَلازِمْتَنِيّ الْأَفْكَارُ مُلَازَمَةِ الْكَلَبِ لُأَصْحَابِ الْرَّقِيْمِ، فَحَمَلَتْنِيْ الأفكار-وَالْأَفْكَارُ فِيْهَا شُجُوْنٌ وَشَجَن- مِنْ عَارِفٍ لِنَفْسِهِ عَارِفٍ لِرَبِّهِ عَلَىَ الْحَقِيقَةِ لِآِخَرَ، حَتَّىَ وَصَلَ بِيَ الْفِكْرُ إِلَىَ مَحَطَّةِ سِرِّيّ الْسَّقْطِيّ(1)، وَلِطُولِ فِكْرِي وَتَعَبِي وَفِيْ الْهَزِيِعِ الْأَخِيرِ مِنَ الْلَّيْلِ، هَجَمَ الْكَرَى عَلَىَ عَيْنِيْ،وَفِيْ غَفْوَتِي قَابَلْتُ سِرِّيٌّ الْسّقْطِيّ،وَسلِّمْتُ عَلَيْهِ، وقُلْتُ لَهُ:أَنْتَ رَكِبْتَ سُفُنَ الْعَزْمِ فَهَبَّتْ لَكْ رِيَاحُ الْعَوْنُ،وَ حَطَّتْ مَرَاسِيْكَ عَلَىَ سَاحِلِ بَلَدِ الْوَصْلِ...، وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ، وَفِيْ نِهَايَةِ الْأَمْرِ طَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يُمَتِّعَنِي بِالْحَدِيْثِ عَنِ قَصَّتِهُ مَعَ بِدْعَةَ الْمُطْرِبَةِ وَسَيِِّدِهَا، قَالَ سِرِّيّ الْسَّقْطِيّ –رَحْمَةً ُالْلَّهِ عَلَيْهِ- :-


أَرِقْتُ لَيْلَةً وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَىَ الْنَّوْمِ ،فلمّا أَصْبَحْتُ دَخَلْتُ الْمَارَسْتَان-الْمُسْتَشْفَى-؛لَأَرَى الْمَجَانِيْنَ وَأَعْتَبِرُ بِحَالِهِمْ ،فَإِذَا بِجَارِيَةٍ مُقَيَّدَة وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ حِسَان وَرَوَائِح عَطِرَةً تَقُوْلُ شِعْرَا:


أَعِيْذُكَ أَنْ تَغلَّ يَدَيْ بِغِيَـرِ جِنَايَةٍ سَبَقَتْ


تَغُلٌُ يَدَيْ إليَّ وَمَا خَانَتْ وَمَا سَرَقَتْ


وَبَيْنَ جَوَانِحِ كَبِدِي أَحِسُّ بِهَا قَدْ احْتَرَقَتْ


وَحَقِّكَ يَا مَدَىْ أَمَلِيْ يَمِيْنا بَرَّة صَدَقَتْ


فَلَوْ قَطَّعْتُهَا قِطَعَا وَحَقِّكَ عَنْكَ لَا نَطَقْتْ


فَقُلْتُ لِلْقَيِّمِ مَا هذِهِ؟ فَقَالَ:جَارِيَةٌ قَدْ اخْتَلَّ عَقْلُهَا، كَانَتْ جَارِيَةً فِيْ دَارِ أَحَدِ الْكُبَرَاء تُطْرِبُهُ وَتُغَنِّي لَهُ، فَلَمّا هَاجَ هَاجِسُ الإِيْمَانِ فِيْهَا وَتَابَتْ اتَّهَمَهَا صَاحِبُهَا بِالْجُنُوْنِ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى هَذَا الْمَارَسْتَان فَلَمّا سَمِعَتْ كَلَامَهُ تَبَسمت، وَقَالَتِ شِعْرِا:


مَعْشَرَ الْنَّاسِ مَا جُنِنْتُ وَلَكِنْ أَنَا سَكْرَانَةٌ وَ قَلْبِيْ صَاحِيْ


لِمَ غَلَلْتُمْ يَدَي وَ لَمْ آَتِ ذَنْبَا غَيْرَ هَتْكِي فِيْ حُبِّهِ وَ افْتِضَاحِي


أَنَا مَفْتُوْنَةٌ بِحُبِّ حَبِيْبٍ لَسْتُ أَبْغِيْ عَنْ بَابِهِ مِنْ مَرَاحِي


فَصَلَاحِيَ الَّذِيْ رَأَيْتُمْ فَسَادِي وَفَسَادِي الَّذِيْ رَأَيْتُمْ مُنَاتِي مَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ مَوْلَى الْمَوَالِي وَارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ جُنَاحِ


فَلَمّا سَمِعْتُ كَلَامَهَا أَقْلَقَنِي وَأَبْكَانِيَ،فَقَالَتْ:يَا سَرِيُّ، هَذَا بُكَاؤُكَ عَلَىَ الْصِّفَةِ فَكَيْفَ لَوْ عَرَفْتَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ،قُلْتُ:أَسْمَعُكَ تَذْكُرِيْنَ الْمَحَبَّةَ فَلِمَنْ حَبَبْتِهِ؟ فَقَالَتْ: لِلْقَرِيْبِ مِنَ الْنُّفُوْسِ،الْمُجِيْبُ إِلَىَ الْقُلُوْبِ، لِمَنْ تَعَرَّفَ إِلَيْنَا بِآِلَائِهِ، وَتَحبَّبَ إِلَيْنَا بِنَعْمَائِهِ، وَجَادَ عَلَيْنَا بِجَزِيْلِ عَطَائِهِ، فَهُوَ قَرِيْبٌ، إِلَىَ الْقُلُوْبِ مُجِيْبٌ، تَسَمَّىَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَىْ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوهُ بِهَا، فَهُوَ حَكِيْمٌ كَرِيْمٌ، قَرِيْبٌ مُجِيْبٌ.


قُلْتُ: فَمَنْ حَبَسَكِ هَا هُنَا؟ قَالَتْ: حَاسِدُونَ تَعَاوَنُوْا عَلَيَّ وَاحْتَالُوا،


ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُوْلُ شِعْرا:


حَسَدُوْا الْنِّعْمَةَ لََمّا ظَهَرَتْ وَرمُوْهَا بِأَبَاطِيْل الْكَلِم


وَإِذَا مَا الْلَّهُ أَسْدَى نِعْمَةً لَمْ يَضِرْهَا قَوْلَُ أَعْدَاءِ الْنِّعَم


ثُمَّ قَالَتْ: وَرَمَوْنِي بِالْجُنُوْنِ وَمَنْ أَحَقُُ بِهَذَا الِاسْمِ ؟وَفِيْ بُعْدِيْ عَنْهُمْ أُنْسٌ.فَجَاءَ سَيِّدُهَا،فَلَمّا رَآَنِي أَعَظَمِنِي،فَقُلْتُ إِنَّهَا بِالْإِعِظَامِ أَحَقُُ فَمَا الَّذِيْ تُنْكِرُهُ مِنْهَا؟فَقَالَ: تَقْصِيْرَهَا فِيْ الْخِدْمَةِ،وَكَثْرَة بُكَائِهَا ،وَشِدَّة حَنِيْنِهَا وَزَفِيْرَها كَأَنَّهَا ثَكْلَىْ لَا تَنَامُ،وَلَا تَقَرُّ وَ لَا تَتْرُكنَا نَنَامُ، وَهِيَ بِضَاعَتِيْ اشْتَرَيْتُهَا بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لصِناعْتِهَا ،وَأمِلْْتُ أَنْ أَرْبَحَ فِيْهَا مِثْلَ ثَمَنِهَا وَأَنَّهَا مُطْرِبَةٌ ، قُلْتُ: وَمُنْذُ كَمْ كَانَ بِهَا هَذَا الْدَّاء. فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ. قُلْتُ: مَا كَانَ بَدْؤُهُ؟ قَالَ: كَانَ الْعُوْدُ فِيْ حِجْرِهَا وَهِيَ تُغَنِّيَ، وَتَقُوْلُ شِعْرِا:


وَحَقِّكَ لَا نَقَضْتُ الْدَّهْرَ سَهَرا وَلَا كدَّرَْتُ بَعْدَ الْصَّفْوِ وَُدّا


مَلَأَتَ جَوَانِحَ الْقَلْبِ وَجْدَا فَكَيْفَ أَقَرُّ يَا سُؤْلِي وَ أَهَدَا


فَيَا مَنْ لَيْسَ لِيَ مَوْلَىً سِوَاهُ تَرَاكَ رضيْتَنِي فِيْ الْنَّاسِ عَبْدِا


ثُمَّ َتغيَّرت، فَكُسِرَت الْعَوْدَ، وَقَامَتْ وَبَكَتْ، فَاتَّهَمْتُهَا بِمَحَبَّةِ إِنْسَانٍ، فَكَشَفْتُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَثَرَا. قَالَ :وَقُلْتُ لَهَا :أَهَكَذَا كَانَ الْحَدِيْثُ؟فَقَالَتْ:-


خَاطَبَنِيْ الْحَقُُ مِنْ جَنَانِيَ وَكَانَ وَعْظِي عَلَى لِسَانِي


قَرِّبَنِيْ مِنْهُ بَعْدَ بُعْدِ وَخَصّنِي مِنْهُ وَاصْطَفَانِي


أَجَبْتُ لَمّا دَعَانِيْ طَوْعا مُلبيّا لِلَّذِيْ دَعَانِيْ


وَخِفْتُ لَمّا جَنَيْتُ قُدمَا فَوَقَعَ الْحَقُ بِالْأَمَانِيِ


فَقُلْتُ لِسَيِّدِهَا: اطْلِقْهَا وَعَلَيّ ثَمَنُِهَا،فَصَاحَ:وَافَقِرَاه،مِنْ أَيْنَ لَكَ عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ؟ فَقُلْتُ هِيَ عَلَيًّ،فَقَالَ: تَكُوْنُ هَاهُنَا حَتَّىَ أَسْتَوْفِيَهَا مِنْكَ ،فَانْصَرَفْتُ مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ،وَلَمْ أفْطِرْ تِلْكَ الْلَّيْلَةِ وَتَشَاغَلْتُ بِالْلَّيْلِ لِكَثْرَةِ الصَّلَاة،وَإِذَا بِطَارِقٍ يَطْرُقُ الْبَابَ فَفَتَحَتُ،فَدَخَلَ رَجُلٌ مَعَهُ مِنْ الْخَدَمِ مَعَهُ خَمْسُ بَدرَاتٍ(2)،فَقَالَ: أَتَعْرِفُنِيْ يَا أُسْتَاذُ؟قُلْتُ:لَا،قَالَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُثَنَّىْ،كُنْتُ نَائِما فَهَتَفَ بِيَ هَاتِفٌ:يَا أَحْمَدُ، هَلْ لَكَ فِيْ مُعَامَلَتِنَا شَيْء؟،فَقُلْتُ وَمَنْ أَوْلَىٍ بِذَلِكَ مِنِّيْ؟ فَقَالَ:احْمِلْ إِلَىَ سِرِّيّ خَمْسَ بَدرَاتٍ(2) مِنْ أَجْلِ الْجَارِيَةِ،فَإِنّ لَنَا بِهَا عِنَايَة ،قَالَ سِرِّيّ :فَسَجَدَتُ شُكْرَا لِلَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- وَجَلَسْتُ أَتَوَقَّعُ الْفَجْرَ،فَلَمّا طَلَعَ خَرَجْنَا نَحْوَهَا،فَسَمِعْتُهَا تَقُوْلُ شِعْرَا:


تَصبَّرْتُ إِلَىَ أَنْ عِيْلَ حُبّكَ صَبْرِيْ ضَاقَ مِنْ قَيْدِيْ وَ غُلّيَ وَامْتَهَانِيّ فِيْكَ صَدْرِيْ


لَيْسَ يَخْفَىَ عَنْكَ أَمْرِيْ يَا مَنْ هُوَ سُؤْلِيَ وَ ذُخْرِي


ََأنت قد تعتق رِقِّي وَ تَفُكَّ الْيَوْمَ أَسْرِي


وَإِذَا بِمَوْلَاهَا قَدْ جَاءَ وَهُوَ يَبْكِِي،فَقُلْتُ لَهُ :لَا بَأْسَ عَلَيْكَ،قَدْ أَتَيْنَاكَ بِرَأْسِ مَالِكٍ وَرِبْحِ عَشَرَةِ آَلِافِ ،قَالَ: وَ الْلَّهِ لَا فَعَلْتُ،قُلْتُ: فنزِيدكِ. قَالَ: وَلَوْ أَعْطَيْتَنِيْ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ الْلَّهِ تَعَالَىْ،فَقُلْتُ مَا كَانَ كَلَامُكَ هَذَا بِالْأَمْسِ،فَقَالَ:حَسْبِيَ مَا نَزَلَ بِيَ لَا تُوَبِّخْنِي،فَالَّذِي وَقَعَ لِيَ مِنْ الْتَّوْبِيْخِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ الْلَّهِ تَعَالَىْ،وَكُلًٌ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةً فِيْ سَبِيِلِ الْلَّهِ،وَأَنَا هَارِبٌ إِلَىَ الْلَّهِ تَعَالَىْ.


قَالَ سِرِّيٌّ فَانْتَبَهْتُ إِلَىَ أَحْمَدَ بْنِ الْمُثَنَّىْ،فَقَالَ لِيَ وَهُوَ يَبْكِيَ:يَا أُسْتَاذُ،مَا رَضِيَنِي


مَوْلَايَ لِمَا ندبنيِ إِلَيْهِ،فَردَّ عليَّ مَا بَدّلْت وَقَدْ أَخْرَجْتُهُ فِيْ سَبِيِلِ الْلَّهِ وَجَمِيْعَ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةً،وُكُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ،وَكُلُّ ضَيْعَةٍ لِيَ وَقْفٌ فِيْ سَبِيِلِ الْلَّهِ تَعَالَىْ،وَأَنَا هَارِبٌ إِلَىَ الْلَّهِ تَعَالَىْ. فَقُلْتُ مَا أَعْظَمَ بَرَكَةَ هَذِهِ الْجَارِيَة عَلَيْكُمْ.


فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا وَإِذَا بِهَا تَقُوْلُ شِعْرا:


هَرَبَتُ مِنْهُ إِلَيْهِ بَكَيْتُ مِنْهُ عَلَيْهِ


وَحَقُُّهُ وَهُوَ سُؤْلِي لَا زِلْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ


حَتَّىَ أَنَالَ وَأَحْظَى بِمَا أُرَجِّي لَدَيْهِ


ثُمَّ نَزَعَتْ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الْلِّبَاسِ وَلَبِسَتْ خِمَارا مِنْ صُوْفٍ ومُدرَعَةٍ مِنْ شعْرِ وَ وَلَّت وَهِيَ تَقُوْلُ:


يَا سُرُوْرِيْ الْسُّرُوْرِ وَأَنْتَ سُرُوْرِيْ


وَحُبُوْريْ وَأَنْتَ نُوْرَ الْنُّوْرِيِ


كَمْ تَرَىَ يَصْبِرُ الْمُحِبُّ عَلَىَ الْبُعْدِ


وَكَمْ يَلْبَثُ الْهَوَىَ فِيْ الْصُّدُوْرِ


ثُمَّ ذَهَبْتْ عَنَّا وَصَحِبَنِي مَوْلَاهَا وَ أَحْمَد بْنِ الْمُثَنَّىْ إِلَىَ الْحَجِّ،فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِيْ الْطَّوَافِ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ مَحْزُوْنٍ يَقُوْلُ :


قَدْ تسَهَّرْتُِ بِحُبِّكَ كَيْفَ لِيَ مِنْكَ بِقُرْبِك


فَتَرَفَّقْ بِفُؤَادٍ يَشْتَكِيْ شِدَّةَ ضَرَبِكَ


خِبْتِ يَا نَفْسُ إِنْ وَآَخَذَكِ الْلَّهِ بِذَنْبِك


لَمْ يُقَاسِيْ أَحَدٌ يَا نَفْـسُ كرْبَا مِثْلَ كَرْبِك


فَاسْأَليْ مَوْلَا عَفْوَا فَالَرِّضَا مِنْ عِنْدِ رَبِّك


قَالَ سِرِّيّ فَدَنَوْتُ فَإِذَا هِيَ الْجَارِيَة،فَقَالَتْ :سِرِّيّ،قُلْتُ:نَعَمْ يَا بِدْعَة،أَخْبِرِينِيْ مَا الَّذِيْ وَهَبَ الْحَقُّ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ. قَالَتْ:أَنِسَنِي بِهِ وَأَوحشنَي مِنْ غَيْرِهِ .ثُم ّتوَجَّهَتْ إِلَىَ الْبَيْتِ وَ قَالَتِ:


إِلَهِيْ إِلَىَ كَمْ تُخَلِّفُنِي فِيْ دَارِ لَا أَرْضا فِيْهَا أَنِيْسَا


قَدْ طَالَ شَوْقِيِّ إِلَيْكَ فَعَجِّلْ قُدُوْمِي عَلَيْكَ


ثُمَّ وَقَعَتْ مَيِّتَةً فَنَظَرَ إِلَيْهَا سَيِّدهَا، فَجَعَلَ يَدْعُو وَيُضْعِفُ كَلَامُهُ إِلَىَ أَنْ خَرَّ مَيِّتَا،فَدَفْنْتِهُما جَمِيْعا -رَحْمَةَ الْلَّهِ عَلَيْهِمَا-.


وَقَالَ لِيَ سِرِّيّ:إِنْ نَسِيتَ شَيْئا عَنْ أَحْدَاثِ هَذِهِ الْقِصَّة يَا بُنَيَّ،فَارْجِعِ إِلَىَ مَخْطُوْطَةٍ مَوْجُوْدَة فِيْ جَامِعَةِ( طُوِكْيُوْ) وَرَقَمُهَا -كَذَا - وَقَبْلَ أَنْ اشْكُرَهُ،فَإِذَا بِي أَسْتَيْقِظُ مِنْ وَسَنِ الْرّقَادِ،قُبَيْل أن يذوب كُحل الليل في دمع فجره، وَعَلَىَ قَوْلِ مُؤَذِّنٌ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ:حَيََّ عَلَىَ الصَّلَاةِ .وَأَخَذَتُ أَتَسَاءَلُ:تُرَىْ هَلْ تَسْتَطِيْعُ دُوَلُنَا أَنَّ تَكْسِر أَعْوَادَهَا فِيْ وَجْهِ أَسْيَادِهَا فِيْ الْأَرْضِ، وَتَشْدُو تَرْنِيْمَةَ حُبٍّ لَسَيِّد الْسّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؟


وَآَخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.


----------------------------------------------


1.كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد، ملازماً بيته لا يخرج منه ولا يراه إلا من يقصده. وكان تلميذ معروف الكرخي. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين، علي الأصح. ودفن بالشونيزية أو مقبرة باب الدير العتيقة على جانب الكرخ من بغداد، وسميت فيما بعد باسم مقبرة الشيخ معروف وقال الجنيد: "ما رأيت أعبد من خالي!. أتي عليه ثمان وسبعون سنة ما رؤى مضطجعاً إلا في علة الموت".


دخلت عليه، وهو في الترع، فجلست عند رأسه، ووضعت خدي علي خده، فدمعت عيناي، فوقع دمعي علي خده، ففتح عينيه، وقال لي: "من أنت" قلت: "خادمك الجنيد!" فقال: "مرحباً". فقلت: "أوصني بوصية أنتفع بها بعدك!" قال: "إياك مصاحبة الأشرار، وأن تنقطع عن الله بصحبة الأخيار".


2. البدرة: عشرة آلاف درهم.


































هناك تعليق واحد:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    قصة رائعة قوية في مبناها, الفاظها جزلة مستوحاة من القصص الصوفي حيث هامت بطلتها بحب الله مما حدى بها إلى التحرر من عبوديتها.
    ولعل هذا المعنى هو الذي حدى بكاتبها النتنويه لدولبنا متمنيا عليها أن تكسر العود وتتحرر من قيدها.
    وفي الختام شكلاا موصولا لكاتبنا وأتمنى له مزيدا من التقدم وإلى الأمام.

    ردحذف