تحليل ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة)للقيصر/ فلاح الغريب.
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني = فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ِيْوما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَالكِ
جو النص:
سقوط بغداد،وإرجاع العراق إلى العصر الحجري،وتدمير الحضارة الإسلامية، ودفن كلّ محاولة للتطور العلمي عند العرب،وإبقائهم في ذيل قائمة التطوّر الإنساني والحضاري، ونهب خيراتهم؛ليبقوا لقمة سائغة للغرب،الذي أخذ يبذر كلّ أشكال الفتن،وكلّ أنواع السموم الفكري،التي تتناسب مع قنابله وأحقاده،وحلمه ،بتفتيت العالم الإسلامي،والعمل على إفراغ الدين الإسلامي من محتواه،وقتل كلّ نسمة أمل بالثقة بالنفس،وجعل أرضنا مزرعة لهم ولأبنائهم،وسكانها عبيداً لهم ولأحفادهم.
أفكار النص: وموضوع القصيدة الشكوى ورثاء بغداد ،يصف القيصر في بداية قصيدته جمال بغداد ومرابعها ومغانيها وليالي أنسها ونعيمها وعزّها ومجدها قبل أن تغتالها يد الغدر والتآمر، ويستهلها بمناجاة الأديب الكبير عيسى جرابا،ويأسه من لقاء أصحابه وخلانه،مبيناً أن الشعر يعجز عن وصف هول الكارثة،علما بأن شعر القيصر كان ينساب انسياباّ دفّاقاً وهو يتغنّى بأمجادها قبل تدميرها وفي أيّام عزّها. ولهول المصيبة يُصدم العقل وتشلّ حركته ،فجمالها يحوّله دعاة الحضارة والديمقراطيّة قبحاً،وبناياتها الشامخات يجعلونها يباباً وأطلالاً،والغناء بكاءً،والصباح المشرق ليلا دامساً،والأفراح أحزاناً،والصفاء مكراً،والابتسامات أشجاناً،والطرب شكوى.
وخيول الروم تدمّر الأخضر واليابس،والأهل والإخوان يتفرّجون ،وخيولهم لم تعد تصهل،لأنّها أُعدّت لمقاتلة الإخوان وأبناء العمومة،ورايات نكفورن كلب الروم تعلو خفّاقة،وأيام العز العربي قد ولّت،ولا حيلة للشاعر سوى البكاء على بغداد،وزفرات حرى ،وأشواق بائسة،وتحيّات مكلومة.
يتبع
العاطفة:
تجلّت في القصيدة عدة عواطف،أهمها:
1.الإعجاب ببغداد، وجمال طبيعتها،وحلاوة لياليها،وأمجادها،قبل اجتياح مغول العصر لها.
2.عاطفة الحزن والأسى والألم عمّا حلّ ببغداد،وما حصل لها من تدمير لكل ما هو جميل.
3.عاطفة الكره لجموع الكفر،وما اقترفته أيديهم من هدم وهدٍ ولحد.
4.عاطفة الحب والإعجاب بتاريخ بغداد وأبطالها،ومآثرها.
5.الدهشة لمواقف ذوي القربى،بسكوت قسم ،وتآمر قسم ثان،ومشاركة قسم ثالث...
6.الأمل بالتحرر والانعتاق في آخر المطاف.
7.حبّ العقيدة،ورجالاتها.
ويبدو الشاعر من خلال قصيدته متأثراً أشد التأثر،معتزاً بالذات والقيم الأصيلة،وهي في مجملها عواطف حزينة صادقة،تنم عما يعانيه الشاعر من إحباط وقهر،تحركه أحاسيسه المرهفة،مع الشعور بالأنفة والعزة،وحلم بالمستقبل،وكلها عواطف إنسانية متوهجة.
الخصائص الأسلوبية في النص:
أولاً التصوير الفني:
حرص الشاعر على إبراز أفكاره وترسيخها في نفس السامع أو المتلقي بحشد العديد من الصور الفنية التي انتزعها من بيئته التراثية والثقافيّة،ومن ذلك:
1.قال:
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
(سَوَادُ عينَيْكِ):شبه بغداد بفتاة عينيها سوداوين في الجمال،حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2. (النجومُ الداري في ليَالِيْكِ ) كناية عن ليالي الأنس في بغداد قبل النكبة.
3.قال:
من هاهنا قد رَسَمْتِ المَجْدَ وابتسَمَتْ = أزهارُ روضِكِ وازدَانتْ مَغَانيكِ
(رَسَمْتِ المَجْدَ)
شبه القيصر بناء المجد بالرسم ،بجامع الإيجاد في كلٍ، حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
4.( ابتسَمَتْ أزهارُ روضِكِ)شبّه ابتسام أزهار الروض بفتاة تبتسم بجامع البهجة في كلٍ،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به فالاستعارة مكنية.
5.( وازدَانتْ مَغَانيكِ )شبه المغاني بعروس تزدان لعريسها ،بجامع الجمال في كلٍ، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
يقول الغريب:
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
6.(بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
7. .(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
8. (إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي) شبّه الشعر حُرُوفَ الشّعرِ بإنسان يُتعب،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة. 9.( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ) شبّه حروف الشعر بإنسان يرتمي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
10.يقول الشاعر:
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )يشبه الشاعر نفسه بقيصر، تشبيه بليغ.
11.( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ )يشبه بديع الشعر بالهديّة، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
12.يقول القيصر:
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
13.(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي )يشبه المعاني بملكة يعلو التاج مفرقيها،
، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
14.كما يشبه تاج المعاني بشيء لا يؤرّق...مكنيّة.
15.( دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ )شبه درّ البيان بكائن حي يأتي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
16وو(دُرَّ البَيَانِ) كناية عن الشعر الفصيح القوي البليغ.
( دُرَّ البَيَانِ)كنية عن اللفظ الفصيح،.( تاجَ المعاني)كناية عن المعنى الشريف.
17.( فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)ذكر القوافي(الجزء) وراد به الكل(الشعر) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
يقول الغريب:
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
18.( رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بشجرة ناعمة،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
19.( والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بإنسان يطرب، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية 20.( شدوُ المآثرِ) شبه ما تُحدثه المآثر بالشدو،بجامع الفرح في كلّ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
21.( الدّهرُ يَرْوِيكِ )شبه الشاعر الدهر بإنسان يروي ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
22.يشبه الغريب (مآثرنا) ب(سِنة)أي نعاس،تشبيه بليغ. فلم يترك مغول العصر لبغداد فرصة لتهنأ بنعيمها.
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
23.( وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا ) كناية عن التاريخ العربي الحافل بالأمجاد والبطولات.
24.( صَمْتُ الثّريَّا)و( وألحانُ المَسَاء) كناية عن غياب السرور والفرح عند الشاعر،وعند صاحب النخوة بمجيء الغزو والدمار.
25.( بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ )يشبه الشاعر القلب بالبلبل،، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالشاعر يتوجّع على محبوبته..ويبكيها.
والعبارة أيضاً كناية عن الأسى والحزن،بسبب الاحتلال وجرائمه وأعوانه.
26.(القلب)ذكر الشعر القلب(الجزء) وأرادبه(الشخص ذا المروءة(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئية.
يقول القيصر:
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
27(أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) يشبه القيصر غياب بغداد بغياب وجه غانية جميلة،بسبب الاحتلال،بجامع غياب الجمال في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
ويتوجع الشاعر ويتأوه من عظم ما رأى وما سمع.
28( وجْهُ غَانِيَةٍ ) ذكر الوجه(الجزء)وأراد به الغانية(الكل)مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
ويقول الشاعر:
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
29.( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ) شبه بغداد بفتاة ذات حُسن وجمال، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
فالشاعر يقارن بين محبوبته الجميلة قبل الاغتصاب،والمدمّرة والمستباحة بعد الانتهاك.
30. (بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
31.(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
32.يشبه الشاعر بغداد بالطلل بجامع التدمير الشامل الشامل الشامل في كلّ،تشبيه بليغ من النوع المقلوب،لأنّ التدمير في المشبه(بغداد) أقوى منه في المشبه به (الطلل).
33.( ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ ) كناية عن جمال روابي بغداد قبل الاغتصاب،وإزالة عفتها،بعد أن جنى عليها الصديق والعدو والقريب.
ويقول فلاح:
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
34.يستحضر الشاعر بيت الشاعر العذري، الذي يتأسّى على محبوبته،فيقول:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
ويسمّي النقّاد هذه الطاهرة بالتّناص الأدبي.
35.( وأشواقي وتذكرتي دفنتُها)ويشبه إخفاء الأشواق والذكريات بالدفن بجامع عدم الظهور في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
36.( دفنتُها في فؤادٍ) شبه الفؤاد بالقبر، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالذكريات الحلوة أضاعها التدمير والتشنيع.
ويقول القيصر:
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
37.كناية عن توحّد الشاعر مع العراق،والاندماج،ويركّز الشاعر على الجمال، الذي ذوى وأصبح قبحاً على أيدي أصحاب التقدم والحرية،باسم مساعدة الشعوب،أقصد تدميرها ومحوها عن الخارطة.
ويقول الغريب:
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
38(وفي الرّصافة غنّى القلبُ) ذكر الشاعر القلب(الجزء) وأراد به شخصه(الكلّ) مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفيه أيضا استعاره مكنيّة.
ونلاحظ أن الشاعر يهرب من حاضره بعقله المكدود في هذه الأبيات،من هول ما رأى من مفاجع ومواجع إلى ماضي بغداد الزاهر.
39.(وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ) كناية عن حب الشاعر لمحبوبته بغداد.
40.( وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ ) كناية عن قناعة المحبوبة ورضاها على المحبوب ولفتاته.
يقول القيصر:
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
41.كناية عن بكاء الشاعر على بغداد وما ألمّ بها من فواجع يندى بها جبين الأحرار.
يقول الغريب محاولاً أن يختفي وراء الكلمة مثلي تماماّ،ومعنا الحق في ذلك:
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
42.( فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني ) كناية عن سكوت العامة والخاصة عما يحصل،وعمّا حصل.
43.( ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ )كناية عن غياب الأصالة العربية،وتخاذل الإخوان وأبناء العمومة وتقصيرهم في الدفاع عن الشرف المهدور والمستباح.....(أسد علي وفي الحروب نعامة).
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
44.( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا )الضاد:كناية عن اللغة العربيّة،كناية عن موصوف. 45.( لا همسٌ يذكّرنا )كناية عن سكوت العرب عما حلّ من تدمير أخت،واستباحة شرفها. يتساءل القيصر متعجبا عن سبب صمت أبناء العربية صمت أصحاب الرقيم، فلم يحركوا ساكناً،ولم يقيموا حتّى بمظاهرة شجباً واستنكاراً،وهل اكتفوا بالماضي المجيد،وتركوا صناعة التاريخ للباغي.
46.( بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ)المشبه الهاء العائدة على الضاد،والمشبه به: الفرات،تشبيه مرسل مجمل. يتساءل الشاعر مستغرباً(والشاعر وأنا أحيانا نختبئ وراء الكلمة) لماذا لم تعد الأم تساعد ابتنها،ولماذا تخلت عنها؟
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
يتساءل القيصر هل لزعيم المحتل(بوش) من أمل في نجاحه في العراق؟وبُعيد احتلال العراق صرّح بوش في إحدى الكنائس،قائلاً وهو يهذي(لقد جاءني الرب الليلة الماضية،وقال لي: يا جورج إنّ العراق هبة أمريكا)وسنبقى فيه ما لا يقلّ عن سبعين عاما .
وكأني بالقيصر يستعيد قوته،ويتغلب على ضعفه،ويقول-وكأنني متربع في رأسه-:
لن يقوى بوش على بغداد وأرض المسلمين حاضراً،تماما مثلما خاب ظن نكفور سابقاّ،وكأنّ التاريخ يعيد نفسه.
47.( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ )كناية عن أمجاد بغداد.
يقول القيصر:
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
هذا بيت يحمل المعاني الكبيرة،والدلالات العميقة-والقلم لا يسعفني،تماماّ مثلما لم تؤاتِيْ الشاعر القوافيِ(فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ)،يذكرنا الشاعر بتاريخ بغداد المجيد، فها هو الإمام أحمد بن حنبل يقارع ثلاثة خلفاء:المأمون والمعتصم ثمّ الواثق في قضية خلق القرآن،يُسجن ويُجلد بالسياط وتُخلع يده ويُكبّل بالسلاسل، ويُعارض الخلفاء، ويرى أنّ القرآن ليس مخلوقا،وساعد الإمام في محنته العامة والعلماء،وسأروي لكم قصة عالم أهمله التاريخ،هذا العالم من بلدتي إذنا/الخليل،قبره موجود في الأراضي المحتلة، يبعد عن بيتي ثلاثة كيلو مترات ،عندما علم هذا العالم بمحنة الإمام أحمد، هبّ مسرعاً إلى بغداد،قاطعاً الجبال والأودية والفيافي والصحاري،متجشماً المخاطر ،راكباً دابّة،وليس سيّارة أو طائرة ،إلى أن قابل الخليفة،فسلّم عليه وقال:عظّم الله أجركم في القرآن الكريم ،فقال له الخليفة زاجراً: ولِمَ؟ فقال العالم:ألست تزعم بأنّه مخلوق؟ قال الخليفة:نعم ،فردّ عليه العالم :و أليس كلّ مخلوق سيموت؟والقرآن سيموت إذن.
أخذ الخليفة حينها يتراجع،ثمّ أطلق سراح أحمد بن حنبل،والسؤال ما دور العلماء عندما انتهكت محارم الحمى؟؟؟ وأين العلماء اليوم الذين لهم مواقف عزّ دينية كوقفات أبي حنيفة النعمان؟ وما دور العامة اليوم؟
ويقول الغريب بعد أن امتص هول الضربة،حيث أخذ يستردّ قوته:
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
48.( رِّياحِ الهُوْجِ)كناية عن المصائب. ويشبه الشاعر كلاً من الرياح والليالي بإنسان ينبئ ويخبّر،استعارة مكنيّة في كلّ.
49.(كفَّ الصَّليبِ) كناية عن بطش وهمجيّة المحتلين.
50.( عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ )شبّه القيصر الودّ برحّالة ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
فلدى الشاعر بُعد نظر واستشراف للمستقبل،فيقول-وهذا ما حصل في بداية غزو العراق، عندما خرجت الدهماء ترحب بجند الغزو- إنّ المحتلين النصارى وراء ضحكاتهم الصفراء الويل والثبور،وصح ما توقّعه القيصر ببصيرته الثّاقبة ،وإن الأدهى والأمر من مصائب المحتل،والذلّ الذي لحق بنا وبك هو سكوت أولي الأمر،ولقد رأينا كيف أن أحدهم يستقبل بوش برقصة السيوف‘وهذا تعبير عمّا لحق بنا من ذل،يحاولا الشاعر أن يبتعد عن قول مثل هذا لكن ضغط شجاعته،وشعوره بدفقة شعورية عارمة تنتاب مشاعره، وتكاد تعصف بها-يقول ويخرج عن طوره .
ويقول فلاح،حيث أخذ يزداد قوّة أمام ضغوطات نبل المشاعر والمروءة،وإمارات الضعف أخذت تتراجع وتتهاوى أمام وقع استشرافا ته المستقبلية،ومراجعته للتاريخ:
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ينادي الشاعر محبوبته،والنداء هنا يفيد التحبب،فيقول لها:إنّ الاحتلال لن يدم،بعد أن أطبق جند الكفر على حماك بصلف وغرور،واستخفّ بتاريخك،ويؤكّد الشاعر قوله بحرف الجر الزائد في(بدائمَةٍ ) والشاعر يتخوّف من غدر ومكر الأعادي،لكنه ببصيرة المؤمن الصابر الدارس لأصول الدين والتاريخ، مدرك أنّ الاحتلال في زوال،وأن المجد العربي عائد لا محالة إلى ربوع العراق .
(الليالي)كناية عن مصائب الأعادي(ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ)كناية عن سيطرة جموع الكفر على عاصمة الحضارة الإسلامية التي تشكل كابوسا يقضّ مضاجع بوش ومن لفّ لفّه.(الفجر)كناية عن تحرر العراق،فالشاعر باستشرافه للمستقبل يقرر أن الاحتلال سيندحر مهزوماً،وستعود العزة ومعاني الرفعة والسمو إلى ربوعه،وستستمرّ شامخة في كبد السماء،لتؤكّد مكانة العراق الذي سينتصر وسيلقّن الأعادي درساً لن ينسوه،ومن الملاحظ أن استشراف الشاعر قد تحقّق ويتحقّق بعون الله.
(وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ) يشبه الشاعر المجد بشيء يُلمح ويخفق ويناغي، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
(وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ )
يشبه الشاعر الفجر بشيء يُرسم...ويشبّهه مرة أخرى بإنسان يُلقي التحيّة،وفي الحالتين، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
يقول القيصر بعد أن استعاد كلّ قواه،و ولّى ضعفه هارباً:
وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَال
وعندما طلبت من الأحرار نُصرة العراق الذبيح،رأيت مواكب الأبطال قد هبّوا لنجدته،والشاعر يستخدم الفعل الماضي؛لأنه يصلح للسرد القصصي .
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد يتغنّى بهم،وهم مستمتعون.
المشبّه به:صورة الحادي يسير على وقع أنغام قصيدة عذبة،وهو يستمتع بها.
وجه الشبه:صورة شيء يستمتع بشيء آخر.
نوع التشبيه:تمثيلي.
(أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد حولهم يتغنّى بهم،
المشبه به: زهرةُ الروضِ والنّدى يكسُوها ألقاً. أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وجه الشبه:وجود شيء جميل تحفّ به أشياء جميلة.
نوع التشبيه:تمثيلي.
ويصوّر الشاعر مواكب الأحرار الذين هبّوا لنُصرة العراق الذبيح، والأمجاد تحيط بهم،بزهرة الربا تحفّ بها قطرات الندى،أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وهؤلاء الأحرار ساروا على سنة ربهم وحملوا راية الجهاد،راجين نصرته؛لإنقاذ العراق الجريح.
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
والشاعر يقذف بحممه في وجه صلف الغازي،ويخرج عن الأطواق بحذر شديد، يشارك الأحرار،ليس في الأحزان فقط بل بالأفعال،يلبّي داعي الجهاد،يريد مرضاة ربه،وطاعة قلبه(والعمل) بلسم لتفريج الكُرب،والتخفيف من موجات الدفقات الشعورية المتتابعة والضاغطة على أوصال مشاعره الإنسانيّة،وها هو يخرج عن...(الكلمات لا تؤاتيني،ولا إبداع في غياب الحريّة) وقول الشاعر في بغداد زفرات حرّى،محمّلة بالأشجان والأشواق،والتحيّات،والأوجاع من أمّة تاهت،وفقدت بوصلتها،وقتلت دليلها قرباناّ لأحفاد نكفور . والصور الشعرية نابضة بالحركة،مثل:ترتمي،الحان،غرّيد،يأتي ،المدرار ،الريح،يغطي،،الريح،يغطي،خفافا،سقط.....
وهي زاخرة بعنصر اللون،مثل:دراري،الليل،الفجر،بدر،سواد.
وحافلة بعنصر الصوت،مثل:أنغام،شادي،شدو،ناجيني،سألت،صدى، ،صوت،صهيل....الخ
ثانياّ:
اللغة والأسلوب:
أ.العنوان: ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة).
يوحي العنوان معاني التاريخ الإسلامي المتلألئ كالدرر في حواضره المختلفة،وخاصّة بغداد الرشيد،التي تسبى أمام عجز كامل،وتدمير للنفس،فينقطع الكلام،وتتوقف الأقلام،وتنتشر الأوهام،وتموت الأحلام،وتعجز الأقدم،من هول زلزال قذائف الكفر،وقوّة ضخ ماكينته الإعلاميّة الضخمة ،وحربه الإعلامية.
،فتأتي ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة) لتتلألأ في سماء ليل عربي مدلهم؛لتقول ابتعدوا عن الأوهام،والسكوت عجز،والدرة كوكب متلألئ،استوحت معانيها من تاريخ متلألئ ،والعنوان يختزل التاريخ،ويوحي بما يجب أن يكون عليه الحاضر،فجاء العنوان موفّقاً.
ب.الألفاظ والتراكيب:
جاءت المفردات والتراكيب سهلة وواضحة تلائم الموقف الذي يعبّر عنه الشاعر،ففي مواقف الأسى والحزن والشعور بالمرارة اختار الألفاظ التي التي تعبّر عن لواعج نفسه،وحرقة كبده،ومكنونات فؤاده، بلغة تعبيرية تتسم بالعفويّة والتلقائيّة،فألفاظه سهلة ومأنوسة،ومثال ذلك:أشواق،الصدى،القلب، يشجيني،الفؤاد،أحزان...إلخ.
واختار التراكيب المألوفة،والتي اكتسبها من واقع الحياة والممارسة ولها قدرة على التأثير والإيحاء،تنساب عذبة رقراقة في كلّ أذن،ويستعذبها السامع،وهذه الألفاظ والأساليب تشي ظلالها وإشعاعاتها لتصوّر لنا أحوال الشاعر،وأحواله النفسيّة والشعورية معبرة عن ألم الهزيمة،وذلّ الانكسار ،وقد حشد الشاعر العديد من هذه الألفاظ العاطفية والانفعالية، كما في مثل :( أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) ،( من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ) ،(ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ )، ( لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ)،( وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ ) ،(وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ)،( سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي)، ( دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ ) .( وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )،( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي) ، (وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني ) ،(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ ) ، ( شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ) ومثلها كثير.
أما في نهاية القصيدة فقد اختار ألفاظه من معجم يحمل في طيّاته لغة التحدي،والإيمان بالنصر الإلهي، كما في قوله : (بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً) ،( إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ)،
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية)، ( بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)،( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
ج. الأساليب الخبريّة والإنشائيّة: راوح الشاعر في أساليبه التعبيرية بين الخبر والإنشاء؛حتى لا يكون أسلوبه على وتيرة واحدة،وليجدد نشاط السامع،ويؤثر فيه،ومن الأساليب الإنشائية: الاستفهام الذي يفيد الأسى والحزن(سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ )وفي قوله:( أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ)،ويفيد النفي:( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ)
،والنداء الذي يفيد التحبب والتقرب، في قوله:( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ)
( والتعجب والاستغراب:( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ )،(أم طَلَلٌ عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ)،ويفيد الدهشة والاستغراب كما في قوله:( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ وكما في قوله:( (فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)
أمّا الأساليب الخبريّة،فهي في مجملها تحمل معاني الأسى والحزن والوجد،وتدلّ على هول المصيبة،وألم الفراق والضياع،وعلى قسوة المعاناة،ومرارة التجربة،مثل،( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ)،
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ) ،(وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي)،( وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ)
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني )،
(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )،(شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ)
(وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا )،(لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ)وأغلب القصيدة جاءت أساليبها خبريّة.
د.التناص:
وتعريفه :يرى ميخائيل باختن أن التّناص :تداخل السياقات ووجود علاقة بين نص قديم وآخر جديد .
وترى جوليا كرستيفا أن التّناص :لوحة فسيفسائية من الاقتباسات,وكل نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخرى،وهو أنواع:
وتعريفه :يرى ميخائيل باختن أن التّناص :تداخل السياقات ووجود علاقة بين نص قديم وآخر جديد .
وترى جوليا كرستيفا أن التّناص :لوحة فسيفسائية من الاقتباسات,وكل نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخرى،وهو أنواع:
التناص الأدبي،ومنه في القصيدة: سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وهذا البيت يذكّرنا بقول الشاعر:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
التناص التاريخي،ومنه: ( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،(وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
ومثاله قول بن حزم:
من المحتمي بالله رب العوالم **=**ودين رسول الله من آل هاشم
محمد الهادي إلى الله بالتقى*=**وبالرشد والإسلام أفضل قائم
عليه من الله السلام مرددا*=**إلى أن يوافي الحشر كل العوالم
إلى قائل بالإفك جهلا وضلة**=**عن النقفور المفتري في الأعاجم
دعوت إماما ليس من أمرائه**=**بكفيه إلا كالرسوم الطواسم
دهته الدواهي في خلافته كما**=**دهت قبله الأملاك دهم الدواهم
ولا عجب من نكبة أو ملمة**=**تصيب الكريم الجدود الأكارم
ولو أنه في حال ماضي جدوده**=**لجرعتم منه سموم الأراقم
التناص الديني:ومنه :( وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ )،(وفقهُ نعمانَ في أقْصَى
أقاصِيْكِ).
وهذا يذكرنا بقول الشاعر المسلم الآن قالوا: حدودنا هي إقليمنا فقط، وأما غيرها من البلاد فليست لنا.
ونقول: لا.. بل بغداد لنا، بغداد المعتصم و أحمد و المتوكل ، والكويت لنا وطشقند لنا وقرطبة لنا.
وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
ونقول: لا.. بل بغداد لنا، بغداد المعتصم و أحمد و المتوكل ، والكويت لنا وطشقند لنا وقرطبة لنا.
وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
وبيت الغريب يذكّرنا :
سئل الإمام الشافعي عن سبب زيارته للإمام أحمد بن حنبل فأجاب :
قالوا يزورك أحمـد ٌ وتزوره .... قـلـت الـفـضـائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرتـــه .... فلفضله والفضل في الحـالين له
قالوا يزورك أحمـد ٌ وتزوره .... قـلـت الـفـضـائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرتـــه .... فلفضله والفضل في الحـالين له
وهذا يدلل على سعة ثقافة الشاعر.
ثالثاّ:الوزن والموسيقا:
اختار الشاعر بحر البسيط ؛ليجد متنفساّ للتعبير عن همومه وآلامه،وكذلك أسهم الصائت الطويل (صوت ياء المد) والصائت القصير(الكسرة)، في إيجاد مساحة كافية للتأوّه،وبث الشكوى،والإعلان عما يفيض به قلب الشاعر من لواعج الأسى والحزن،وصوت (النون)يتّسم بالوضوح السمعي كما يرى علماء الأصوات،كما يرى الخليل بن أحمد أن هذا الصوت أحد أصوات ثلاثة تجّمل الكلمة،وتولّد الجرس،كل ذلك ساعد على إيجاد نغم موسيقي مفعم باللوعة والأسى والوجد
شخصيّة الشاعر:
اتّسمت شخصيّة الشاعر بالإيمان،فهو مؤمن بربه عاملا بأوامره،فهو يقول:
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
ملتزم بقضايا وطنه ودينه،وهذا ساهم على إنجاح هذا العمل،ويتّسم الشاعر بالصدق الفني،فجعله محلقاً بالرغم من الأطواق،التي عملت على تقصيرها،ويبدو أن الشاعر طويل النفس.
ويبدو الشاعر من خلال هذا النص، جيّاش العاطفة،مرهف الحس،رقيق المشاعر،متمسّكاً بالمبادئ السامية،برغم المحبطات.
منهجي النقديّ:
المنهج التضافريّ،حيث اتكأت على المنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، والبنيويّ ، والمنهج الأخير كان اعتمادي عليه أكثر.،
وآخر دعوانا أن الحمد لله.
هذه هديتي للغريب،ولرواء ولمؤسسيها ومشرفيها وأعضائها،وللتراث والوطن.
يتبع
رائع
ردحذفبوركت ، ووفّقك الله.
ردحذف