امرأة من زمن الجليلة
أنا امرأة قد تسمى الجليله
من الجمر و الياسمين
على حجر قرب ظل جدار
جلستُ أرمّمُ بعض مساءٍ حزين
أجددُ بالذّكْرِ قُدسَ المزارِ
و تكتُبُ أقلامُ دمعي بريق الحنين
و أشكو إلى الله بعضَ انكساري
على وقع هذا المساءْ
و أرسمُ بالحبر ثُقلَ الوجاعِ
من الحرفِ عطرا
دنا بعيونِ القتيلِ
و أنبتَ في القلب شوكَ الشّقاء
و ناري لظى بالخَوالي
تُسابقُ في ركضها كلّ عُمْرٍ
تسابقُ كلّ لقاءْ
تحدِّثُ نفسي
تكرّرُ نفسي
لأشطبَ طيفك بين المَزار
بغير انتهاءْ
فبين كلُيبٍ و جساسْ
أصبُّ الأباريق دمعا
و تكسرني في اندهاش المرايا
ككلّ النساء
*********
أنا لستُ كامرأة من زمان الجواري
أنا حدوةٌ من حصان رجاءْ
أنا صورةٌ في حصار الإطار
تبخّرُ منك الزوايا
فينتشِرُ المسكُ منّي بكاءْ
أسائلُ في لهفة الشّوق كيفَ الأماني
كحلم تعثّر في معبدٍ للشقاءْ ؟
غريبين كانا و كنتٌ هناك
على وقعِ حزنين كان الفناءْ
سألتُ الحيارى
و طيفًا قديمًا
لماذا سقطنا على الدّرب سهوا؟
فصرنا غمامًا بلون الشتاءْ
و صِرنا سُكارى نجوبُ العراءْ
حملتُ البقايا و نصفَ السؤالْ
أجرُّ على هامتي دمعتين
و بعضي يُناجي حروفَ النداء
هيا:(..) يا: (...)
و يبكي على من تدارى و ناءْ
و مازال حلما
يرافقُ عمري
و ينشدُ لحنا بلو ن الصّفاءْ
أزوركَ في كلّ يوم
لأمحوَ ذكرى الجليله
و ذكرى الوداعِ و ذكرى اللقاءْ
ثانيا:التحليل الأدبي
جو النص:
الظروف المعقدة والواقع الصعب:
الاقتصادي والاجتماعي وتشابك الحياة بين الناس في العصر الذي طغت فيه المادة على الروح
والمصلحة على النبل والسمو،ولّد مجموعة من القيم والسلبيات بين الناس في تعامل بعضهم
مع بعض، وشاعرتنا بأحاسيسها المرهفة وبمنظار شعورها الرقيق رأت هناك أوجه شبه كبيرة
بين ما يحصل في الجزائر خاصة والعالم العربي عامة من فوضى وحروب وفتن وقلاقل لا
تخدم في مجموعها إلا أعداء الأمة، وبين حرب البسوس زمن الجليلة، تحاول وتتمنى
الشاعرة التغير وشجب هذا الواقع والعمل على تجاوزه لكن دون جدوى، وتعصف بها
الأحداث وتؤثر فيها وتتأثر بها شاءت أم أبت تماما كالجليلة في حرب البسوس، التي
استمرت أربعين سنة أكلت الأخضر واليابس وأفنت أبناء العمومة واستفاد منها الأجنبي.
الأفكار الرئيسة:
1. ضيق الشاعرة بالفوضى
العارمة التي تعصف بالأمة نتيجة للضعف الاقتصادي والحالة السياسية، والتي انعكست
سلبا في مجملها على مجموعة القيم والمثل وبنية النسيج الاجتماعي. .
2. تتحسر الشاعرة على وطنها
الصغير والكبير، وتصف ألمها والواقع المر.
3. ترى الشاعرة أن الوضع
السياسي والاقتصادي والحالة الاجتماعية المتردية في عالمها بشقيه هي التي أدت إلى
جموح الفتنة وعصفت بالأمة.
4.حيرة الشاعرة من واقع
العالم العربي المزري برمته.
5.بدت الشاعرة ضعيفة في أول
سطور القصيدة بسبب هول المصيبة، غير أنها استعادت كامل قوتها في منتصف السطور،
وبينت أنها ليست كالجواري تباع وتشترى بل هي من الحرائر تتأثر بالأحداث وتؤثر بها
إيجابا بالفعل وبالكلمة، فهي كالجليلة تماما عندما عصفت بها أهوال ما حصل بين
أهلها وأبناء عمومتها، وفي نهاية الأمر اختارت
من الشعر مؤنسًا لها بعد نكسة البسوس.
6.تشكو الشاعرة همومها
الجمعية والشخصية إلى الله.
7.تنفس وتفرج الشاعرة عن ضغوطاتها
في الحياة وعن حبها بقلمها
وشعرها.
8. يحذو الشاعرة الأمل بتجاوز
المحنة، وبسلامة الوطن وعودة الود والصفاء بينها وبين من تحب.
العاطفة:
1.عاطفة الحب، حب الوطن والمحبوب
والدين والمثل ومجموعة القيم.
2.عاطفة التحسر على وطنها
الصغير الجزائر ، ووطنها الكبير العالم العربي، وما يحدث فيهما من نزاعات ومشاحنات
تعصف بوحدة الأمة.
2.كره الشاعرة لما أفرزه
العامل السياسي والاقتصادي، من هدم لنسيج بناء المجتمع وانهيار للمثل والقيم
والأخلاق.
3.قلق الشاعرة على سياسة قصر
نظر المتشاحنين، فلا منتصر في هذه النزاعات والحروب العمياء التي تأكل الأخضر
واليابس، تماما هي حروب وفتن بين أخوة وأبناء عمومة كما هي حرب البسوس.
4.تأسي الشاعرة على ما تفرزه
حروب الطوائف والنزاعات والفتن الداخلية.
5.عاطفة الأسى والحزن على ما
أحدثته هذه الفوضى من تدمير لكل ما هو جميل من حب وعشق وحنان.
6.عاطفة الحماسة الدينية
المتوهجة، ففي القصيدة مفردات وتعابير تختزن اللهفة والحرقة والشكوى إلى الله لمنع
الخراب والتدمير، كما في مثل:
" و أشكو إلى الله بعضَ انكساري"
7.عاطفة حب وأمل الشاعرة
بانقشاع غمامة الفتنة وعودة الحبيب والعزيز وكل ما هو جميل إلى سابق عهده.
8. اعتزاز الشاعرة بهمتها
وإبائها ومروءتها وبشاعريتها.
وتستمد الشاعرة أفكارها ومعانيها
من تجربة صادقة ، وعاطفة قوية، فلا ريب في ذلك، فهي مرهفة الأحاسيس، ترى بأم عينها
ما تحدثه الفوضى الداخلية والنزاعات والاضطرابات من تدمير ووأد للحضارة وفرقة
لصالح الأجنبي، وتنفيذ لسياساته من حيث ندري أو لا ندري وشاعرتنا تعشق كل ما هو نبيل
ويهفو قلبها للرقة والدماثة، وتبكي الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلقد انعكست
علاقات الناس سلبا مع بعضهم البعض، بعدما تنافرت المصالح واختلفت الأهواء، ولقد عايشت
الأحداث بنفسها، فترى تحول النفوس وتبدلها وتغيرها، فترى التمزق في النسيج الاجتماعي،
في زمن عزّ فيه الوفاء، وسيطرت فيه الأهواء والشهوات، وكثرت فيه المشاحنات والنزاعات
والحروب، فانعكست تلك على أحاسيسها ووجدانها، وقد غلبت على المقطوعة نزعة الرفض للواقع
المر والمزري، فترفض هذا الواقع والإيحاء أبلغ في تصوير الأحاسيس، وما هو مختزن في
اللاشعور .
الخصائص الأسلوبية:
أولا:التصوير الفني
1.التشبيهات
أ.التشبيه المفرد :
التشبيه البليغ، كما في:"امرأة
من زمن الجليلة" شبهت الشاعرة زمانها بزمان الجليلة.
وشبهت الشاعرة أحاسيسها
المرهفة بالياسمين في الرقة، وشبهت ما صنعته الأحداث في تلك المشاعر بالجمر، كما
في قولها:
" أنا امرأة قد تسمى الجليله
من الجمر و الياسمين"
"غريبين كانا و كنتٌ هناك":
شبهت الشاعرة نفسها وحبيبها بالغريبين.
" أنا حدوةٌ من حصان رجاءْ":
شبهت الشاعرة نفسها بحدوة الحصان خدمة لوطنها، تشبيه بليغ.
"أنا صورةٌ في حصار الإطار":
وشبهت الشاعرة نفسها بصورة محاصرة، تشبيه بليغ.
"و صِرنا سُكارى نجوبُ العراءْ":
شبهت الشاعرة المواطن ومن تحبه بالسكران.
2.الاستعارات
أ.ومن الاستعارات المكنية، ما
يلي:
"جلستُ أرمّمُ بعض مساءٍ
حزين" شبهت الشاعرة المساء ببناء يُرمم
، وشبهت المساء بإنسان حزين، استعارة مكنية في كل.
"و تكتُبُ أقلامُ دمعي بريق
الحنين":شبهت الحنين بشيء له بريق.
" و أرسمُ بالحبر ثُقلَ الوجاعِ"
شبهت الشاعرة كتاباتها وشعرها بالرسم، وشبهت أشعارها الحزينة بالأوجاع وبشيء يوزن.
"أصبُّ الأباريق دمعا":
شبهت الدمع بالماء الذي يصبّ.
"و أنبتَ في القلب شوكَ الشّقاء":
شبهت القلب بتربة تُنبت، وشبهت الشقاء بنبات شائك.
"و ناري لظى بالخَوالي
تُسابقُ في ركضها كلّ عُمْرٍ
تسابقُ كلّ لقاءْ
تحدِّثُ نفسي"
شبهت الشاعرة حرقتها على وطنها بإنسان يسابق
ويركض ويتحدّث.
"و بعضي يُناجي حروفَ النداء":
شبهت الشاعرة حروف النداء بإنسان يسمع ويُناجى.
"و مازال حلما
يرافقُ عمري
و ينشدُ لحنا بلو ن الصّفاءْ"
شبهت الشاعرة الحلم بإنسان
يرافَق وينشد.
ب.الاستعارة التصريحية:
"و تكتُبُ أقلامُ دمعي بريق
الحنين" شبهت الشاعرة الحبر بالدموع.
"أصبُّ الأباريق دمعا":
شبهت عيونها بالأباريق.
"و ناري لظى بالخَوالي"
شبهت الشاعرة تدفق عواطفها وحرارتها باللظى.
"لأشطبَ طيفك بين المَزار"
شبهت الشاعرة نسيان المحبوب بالشطب، ومثلها:
" لأمحوَ ذكرى الجليله
و ذكرى الوداعِ و ذكرى اللقاءْ
أنا صورةٌ في حصار الإطار".
"تبخّرُ منك الزوايا": شبهت الشاعرة
نظمها الشعر العذب في الوطن والحبيب بالتبخير.
"فينتشِرُ المسكُ منّي بكاءْ":
وشبهت شعرها فيمن تحب بالمسك، وشبهت نغمات شعرها الحزين بالبكاء.
3.الكنايات:
" أنا امرأة قد تسمى الجليله
من الجمر و الياسمين "
كناية عن أن الشاعرة فيها
جانب الخشونة التي صنعتها الأحداث المؤسفة وفيها جانب الرقة والعذوبة.
" مساءٍ حزين": كناية
عن الحزن الذي يلف قلب الشاعرة من هول الأحداث.
" أجددُ بالذّكْرِ قُدسَ
المزارِ" و "أشكو إلى الله بعضَ انكساري" : كناية في كل عن العاطفة
الدينية التي تملأ قلب الشاعرة.
" و تكتُبُ أقلامُ دمعي بريق
الحنين": كناية عن حزن الشاعرة على ما أحدثته الفتن والانقسامات وحنينها
لتاريخ الجزائر المشرق خاصة والعربي عامة.
"و أشكو إلى الله بعضَ انكساري
على وقع هذا المساءْ"
و"أرسمُ بالحبر ثُقلَ الوجاعِ"
"وأنبتَ في القلب شوكَ الشّقاء"
"وناري لظى بالخَوالي":
كناية في كل عما في قلب الشاعرة من أسى وحزن لما حصل ويحصل في الجزائر خاصة
والعالم العربي عامة من أحداث مؤلمة.
" فبين كلُيبٍ و جساسْ
أصبُّ الأباريق دمعا ": كناية
عن أن الأسى يملأ قلبها، فهي تتأسى على كل الفرقاء في الأحداث، وتتأثر بكل أطياف
المجتمع، فهي من نسيجه، وهي عضو من جسده، تتأسى لما يحصل في المجتمع الواحد من قتل
وتدمير وتخريب، هي في وسط الحريق محتارة كما الجليلة، كان زوجها التالي يقتل زوجها
الأول،وأخوها جساس يقتل من أراد الزواج بها وهو التبع، وجساس يقتل فيما بعد زوجها
ابن عمه كليب، وكانت الجليلة تتمنى وتتمنى وعندما توشك الأماني أن تتحقق تحدث
الكوارث التي تمزق قلبها وتذر الرياح بلاقع بكل ما تمنت.
" و تكسرني في اندهاش المرايا
ككلّ النساء ": كناية عما
صنعته الأحداث المؤسفة من ألم ووجع في نفس الشاعرة وروحها الرقيقة وحياتها الخاصة
وحبها لحبيبها.
" أنا لستُ كامرأة من زمان
الجواري": كناية عن إباء الشاعرة وعزة نفسها وأنها لا تباع وتشترى كما
الجواري أو البعض.
" أنا حدوةٌ من حصان رجاءْ
أنا صورةٌ في حصار الإطار"
كناية عن خدمة الشاعرة
لوطنها، والاهتمام بقضاياه المصيرية، وأنها جزء مصاب من نسيج مجتمع حاصرته الفتن
والأهوال.
"أسائلُ في لهفة الشّوق كيفَ
الأماني
كحلم تعثّر في معبدٍ للشقاءْ ؟
غريبين كانا و كنتٌ هناك
على وقعِ حزنين كان الفناءْ
سألتُ الحيارى
و طيفًا قديمًا"
كناية في كل عما دمّرته الفتن
من أماني الشاعرة وحبها وأشواقها وضياع كل ما هو جميل في حياتها.
" على وقعِ حزنين كان الفناءْ"
كناية عن حزنها لما ألم بحبها
لوطنها، وما أصاب حبها بمن تحب من ضياع وانتهاء وفقد.
"فينتشِرُ المسكُ منّي بكاءْ":
كناية عن أن أحلامها الجميلة وآماها الوردية قد تكسرت وأصبحت حزنا.
"و بعضي يُناجي حروفَ النداء
هيا:(..) يا: (...)
و يبكي على من تدارى و ناءْ":
كناية عن التحسر، وفقدها للحبيب والعزيز في وغى الفتن.
" و مازال حلما
يرافقُ عمري
و ينشدُ لحنا بلو ن الصّفاءْ
أزوركَ في كلّ يوم
لأمحوَ ذكرى الجليله":
كناية في كل عن أن أمل الشاعرة كبير في عودة الوعي وانقشاع الفتنة وإصلاح الأوضاع
وعودة الحبيب والعزيز إلى سابق عهده.
"نجوبُ العراءْ":
كناية عن الضياع والذهول.
"تبخّرُ منك الزوايا":
كناية عن اهتمام الشاعرة بسمعة الوطن والحبيب؛ فتسخِّر نبض قلمها وشعرها في ذلك.
"فينتشِرُ المسكُ منّي بكاءْ":
كناية عن شعرها العذب في الوطن والحبيب.
4.المجاز المرسل
"أصبُّ الأباريق دمعا"
" ذكرت الإبريق " المكان" وهو
العين وأرادت ما فيه "الماء" أو الدمع، مجاز مرسل علاقته المكانية.
"و تكتُبُ أقلامُ دمعي بريق
الحنين": ذكرت الشاعرة الأقلام "الآلة" وأرادت الشعر، مجاز مرسل
علاقته الآلية.
"تحدِّثُ نفسي": ذكرت
الشاعرة النفس وهي "الجزء" وأرادت به"الكل"، مجاز مرسل علاقته
الجزئية، فالنفس جزء منها أو سبيبة؛ فالنفس سبب في حياتها.
ثانيا:التعبير (اللغة والأساليب)
1.الألفاظ والتراكيب
أ. استخدمت الشاعرة في نصها لغة
سهلة موحية تخاطب عقول الناس ، وقد جاءت ألفاظ معجمها الشعري مناسبة ومعانيها مطابقة
للأفكار ، فعندما وصفت همومها وهموم الأمة اختار كلماتها من معجم يوحي بالألم والحزن
والضياع والخراب، وعندما انتقلت لتتحدث عن ذاتها فإنها استخدمت كلمات رقيقة فيها
الحنان، وقوة العزة والإباء، واعتمدت على ضمير المتكلم المفرد.
ب.
جاءت تراكيبها متناغمة بعضها مع بعض، قوية متينة موحية بما فيها من الرمز الجزئي، تعبرا
عن حبها لوطنها وكرهها لما يحصل من فتن تطلّ برأسها على الأمة لتأكل كل ما هو جميل،
فاستخدمت أسلوب "الاتساع" وهو واحد من الأساليب, التحويلية التي تطرأ على
العبارات والتراكيب النحوية، ويعرفه المحدثون من المشتغلين بالدراسات اللغوية بأنه
عملية نحوية تأتي عن طريق إضافة بعض العناصر الجديدة إلى المكونات الأساسية دون أن
تتأثر تلك المكونات"
ووضّح بعض البلاغيين هذه الظاهرة
وأطلقوا عليها مصطلح " الاتساع": وهو أن أكثر الوظائف حيوية للصورة الاستعارة
والصورة الشعرية، أي خلق معان جديدة من خلال صلات جديدة.
ج. وقد اتكأت الشاعرة على مفردات
الفعل المضارع؛ لما فيها من استمرارية،استمرارية الحروب والفتن والدمار لوطنها
وحبها وحبيبها، والفعل المضارع يوحي باستمرارية الحدث وإظهار الحيوية، و برغبة الشاعرة
الملحة في إظهار خطر ما يحصل من تدمير وتخريب ، وفيه تأكيد على موقفها الرافض لما
يحصل، كما في مثل:تسابق: وقد تكرر لتأكيد استمرارية الحدث، وهو فعل مبني للمجهول
دلالة على تجاهل المجتمع لتحذيراتها، ولتلك القيم وضياع اللحمة والترابط بين أبناء
الأمة، وفقدان الحب والمحبة، ومثله" تُسمّى"، ومن أفعال المضارعة:"أرمم،
أجدد، تكتب، أشكو، أرسم، تحدِّث، تكرر، أشطب، تكسرني، تبخر، ينتشر، أسائل، نجوب،
أجرّ، يبكي، تداري، يرافق، ينشد، أزورك، أمحو، أصبُّ.
واستخدمت الفعل الماضي؛ ليفيد
السرد في نحو: جلست ، لست ، تعثّر، كانا، كنت، سألت، سقطنا، صرنا، حملت، أنبت. كما
استخدمت الفعل المضارع المسبوق ب"قد"؛ليفيد التقليل والتشكيك.واستخدمت
لام التعليل ، في قولها:
"أزوركَ في كلّ يوم
لأمحوَ ذكرى الجليله"؛ لتدعم
كلامها بالحجة والبرهان، وكررت الشاعرة كلمة "نفسي" للتعبير عن الذات
والتأكيد عما حصل لها من وجع، كما كررت مقطع "أنا امرأة من عصر الجليلة"
للتأكيد على الفوضى العارمة والدمار الذي حصد الأخضر واليابس.
كما أجرت تبادلا بين معطيات
الحواس على طريقة الرمزية؛ لأنه أبلغ في الإيحاء وأدق في التعبير عن خلجات النفس،
كما في قولها:
"فصرنا غمامًا بلون الشتاءْ"
وكما في مثل:" و ينشدُ لحنا بلو ن الصّفاءْ"
د.ابتعدت الشاعرة عن المباشرة
، فلجأت إلى الرمز حينا وإلى الإبهام والغموض والحذف تارة أخرى، فالدلالات اللغوية
تكون أحيانا قاصرة عن نقل حالات النفس بكل ثرائها وعمقها، فهي تتعمد بإلقاء بعض الظلال
على معانيها وتغليفها بغلالة رقيقة تجنبها خطر الابتذال.
ولقد صورت لنا الشاعرة بعدستها
الشعرية وذائقتها الفنية واقعها الإنساني ومشاعرها في وطنها وواقعها بين أهلها، فابتعدت
عن المباشرة ، فلجأت إلى الرمز، إن "الجليلة" في التراث العربي، والتي انهالت
عليها المحن من كل حدب وصوب هي رمز للمرأة الذكية التي لم ترحمها الأيام ونكبت في
أهلها وحروبهم العمياء، فأخوها جساس يقتل الملك التبع وهو الذي خطبها، ويتزوجها
كليب وهي التي تحب أخوه الزير سالم، ويقوم جساس في هذه الحرب الملعونة بقتل ابن
عمه زوج جليلة، وفي نهاية الأمر يُقتل أهلها ولم يبق لها إلا الشعر تبكي فيه حالها
وحبها وأهلها، فاستخدمت الجليلة رمزا كما هو في الموروث الأدبي والتاريخي عند
العرب، كما لجأت إلى الأسطورة وهي تقول:
" أنا حدوةٌ من حصان رجاءْ"
فوُجد الحصان والإنسان؛ فاخترع
الإغريق حدوة الحصان في القرن الرابع وعدوها مثالا للحظ الجيد، إلا أن الأساطير، وعلى
الرغم من تلك الوقائع، تعزو تلك العادة إلي القديس دونستان الذي أعطى للحدوة المعلقة
فوق باب المنزل قوة خاصة لردع الشيطان، والحصان لا يقوى على السفر الطويل بغير
حدوته.
ه. نلحظ في النص عنصر الجنوح إلي
التركيز والتكثيف والتجافي عن الشرح والتحليل، وهي سمة تنشأ عن تطور وظيفة الصورة من
التقرير إلى الإيحاء، وهذا هو سر الإبهام والغموض أحيانا، كما في قولها:
"امرأة من زمن الجليلة
أنا امرأة قد تسمى الجليله"
فزمن الجليلة زمن حروب طال
أمدها بين أبناء عمومة، تدخلت فيها الكثير من القبائل العربية، وهو تعبير عن صراع
اقتصادي، وتدمير لنسيج بناء اجتماعي وحضاري استمر أربعين عاما.
واتسمت القصيدة بمجموعة من الخصائص
الفنية التي امتاز بها الشعر الرمزي والشعر الحر .
و.المصـاحبـات اللغـويــة ، ومعناها
: ميل الألفاظ إلى اصطحاب ألفاظ أخرى، لارتباط بعضها ببعض، أو لأنها من محيط لغوي واحد
، مثــل :"
"و ذكرى الوداعِ و ذكرى اللقاءْ
"، وكما في قولها:"كليب وجساس "؛ولينشأ منه إيقاع موسيقي داخلي.
و. ذكرت الشاعرة "الوجاع" والوجع والوجاع أدق
في التعبير من الألم، والفرق بين الألم والوجع أن الوجع أعم من الألم، فالوجع :ما يلحقك من قبل نفسك ومن قبل غيرك وهو أشد الألم، أما الألم
فهو ما يلحقه بك غيرك فقط.
2.الأساليب الخبرية والإنشائية
ا. راوحت الشاعرة بين استعمال
الأساليب الخبرية والإنشائية؛ فاستهلت قصيدتها بأسلوب خبري واتكأت عليه؛ ليناسب الغرض،
فاستخدمته؛ لتجسد مدى تقديرها لمشاعرها وأحاسيسها، حماية لها من عبث العابثين، ولتأكيد
ذاتها بارتباطها بوطنها وأمتها وبحبها، ولتجسد هول المآسي وبشاعة الفتن، في وقت تتكالب
عليها وعلى الوطن المحن من الداخل والخارج وتنهال عليها المصائب من حولها خاصة ومن
البشر عامة، في عالم طغت عليه الماديات واستشرت أمراضها وما ينتج عنها.
ب. ومن الأساليب الإنشائية
التي وظفتها الشاعرة، الاستفهام كما في قولها:"كيفَ الأماني؟"، وهو يفيد
التحسر، ومثل:
"لماذا سقطنا على الدّرب
سهوا؟ "فالاستفهام يفيد التقريع.
كما استخدمت النداء؛ ليفيد
التوجع والتحسر كما في قولها:
"و بعضي يُناجي حروفَ النداء
هيا:(..) يا: (...)"
وقد يفيد النداء التحبب
والتقرب في مناجاتها للحبيب، كل ذلك من أجل خلق جو يوحي بالحياة والحركة.
ج. ابتعدت الشاعرة عن المباشرة؛
فهي أبلغ في الإيحاء، وإبراز بشاعة الفتن التي دمرّت العلاقات الجميلة بين الناس، وأشاعت
الشرور والأنانية محلّها.
د. استخدمت الشاعرة أسلوب المتكلم؛
لتأكيد الذات، والذات المخاطبة تحاول الفرار من واقعها الأليم لتشكيل عالمها الخاص،
وضمير الأنا يستشعر هول المأساة ومرارة الواقع المهين والمزري وتدرك أنها تنتمي
إلى زمن رديء مرّ مهين.
ج. قدّمت ضمير المتكلم "أنا"
وهو المبتدأ خمس مرات على الخبر؛ لتأكيد المعنى في النفس وتأكيد الذات، وتبيان أحاسيسها
وما تشعر به من أخطار وأهوال.
3.المحسِّنات البديعيَّة
الطباق: طابقت بين كل من "الجمر"وبين
"الياسمين"، كما طابقت بين كل من "الوداع" و
"اللقاء".
ومن أبرز خصائص النص، الوحدة العضوية،
والوحدة الموضوعية، والصدق الفني.
4. التناص
وظّفت الشاعرة في نصها الأدبي
النصوص التراثية الإنسانية التي تغني تجربتها الشعورية وتوفر لها طاقات إيحائية واسعة،
فهي تقول:
"
فبين كلُيبٍ و جساسْ
أصبُّ الأباريق دمعا
و تكسرني في اندهاش المرايا
ككلّ النساء"
وهذا القول يذكرنا بقول
الجليلة:
جلّ عندي
فعل جساس فيا حسرتي عما انجلت أو
تنجلي
فعل جساس على وجدي به قاطع ظهري ومدنٍ أجلي
خصني قتل كليب بلظىً من ورائي ولظى مستقبلي
ليس من يبكي ليوميه كمن إنما يبكي ليوم بجلِ
ويسمى هذا بالتناص الأدبي،
وهو تناص تاريخي أيضا.
ثالثا– الوزن والموسيقى
نظَمت الشاعر مقطوعتها على تفعيلات
بحر المتقارب فهي غنية بموسيقاها الخارجية، يتجلّى فيها الإيقاع الداخلي الذي يسري
في عروقها من استخدامها للجناس والمساواة بين الجمل والمقاربة بين الأصوات؛ فقد تخلصت
من الرتابة في القافية الموحدة، وتمكّنت الشاعرة بهذا في الانطلاق برحابة أوسع في قاموسها
الشعري؛ لتحمله المضامين الكبيرة، وجاءت سطور القصيدة حسب التدفق العاطفي للشاعرة،
مما ساهم في المحافظة على الوحدة العضوية والموضوعية في النص.
رابعا- شخصية الشاعرة:
اتّسمت المعاني والأفكار والصور
الفنية التي اتكأت عليها الشاعرة بالبساطة والرقة والعذوبة ،لكنها عميقة في معانيها،
واسعة في مدلولاتها، ولجأت الشاعرة فيها إلى الغموض حينا، كيلا تبتذل كلماتها؛ مستعينة
بالألفاظ والتراكيب الموحية والحذف؛ لأن وقعها على النفس أبلغ، إذ تبدو الشاعرة من
خلالها جيّاشة المشاعر رقيقة العاطفة، مرهفة الإحساس، متألمة من واقعها السياسي
والاقتصادي والاجتماعي ، والقصيدة ترسم صورة لشاعرة مثقفة مأزومة تستشعر ألوان
الضياع، تأبى الذل والضيم، واتكأت على الغموض كقناع تطل من ورائه وتتحدث من خلاله
وتحمي نفسها من الشرور والأشرار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.